برشلونة لا يعود … لأنه ببساطة لا يرحل.

عصام الشوالي
في موسمٍ استثنائي، أعاد البلوغرانا كتابة القصة بلغته الخاصة، لغة الإبداع والإصرار، ليُتوّج بلقب الدوري الإسباني عن جدارة واستحقاق. لم يكن هذا التتويج مجرد فوز بدرع، بل كان تتويجًا لمسار كامل من العمل الصامت، والبناء الصلب، والإيمان بأن المجد لا يُهدى، بل يُنتزع.
منذ الجولة الأولى، كان واضحًا أن شيئًا جديدًا يولد في كتالونيا. فريق شاب، عنيد، يلعب بروح الانتماء وكأنه يحمل على كتفيه تاريخ مدينة بأكملها. برشلونة هذا الموسم لم يكن مجرد فريق يُراكم النقاط، بل كان فكرة، فلسفة، وهوية تمشي على العشب. بأسلوبه الفريد، استعاد الفريق توازنه، روحه، وبدأ رحلته نحو القمة دون أن يلتفت إلى الوراء.
هانسي فليك، بهدوئه أدار الأمور بعقلية لا تعرف الضجيج. فليك، بعقليته الألمانية الدقيقة وفلسفته الهجومية الواضحة، كان المهندس الحقيقي لهذه النهضة.بنى فريقًا لا يعتمد على نجم واحد، بل على مجموعة تؤمن ببعضها. بثّ الروح، أعاد النظام، وأطلق العنان لمواهب لم تكن تنتظر سوى من يمنحها الثقة. لم يكن فقط مدربًا، بل كان مهندسًا لصعود جديد، وفصل جديد في كتاب برشلونة.
وإذا كان فليك هو العقل، فإن لامين يامال كان القلب النابض. موهبة نادرة، لا تخاف من العمر ولا من الخصوم. تحرّك على الخطوط وكأنه وُلد تحت ضغط الجماهير، راوغ، صنع، وسجّل، وجعل من نفسه نجمًا يخطو بثبات نحو المجد. لم يكن هذا موسمًا عاديًا له، بل انطلاقة أسطورة جديدة.
التتويج جاء خارج الديار، في ملعب خصمٍ تقليدي، وفي أجواء عدائية لم تُتح فيها حتى فرصة الفرح. لم تكن جماهير برشلونة حاضرة، لكن الروح كانت هناك. كانت في كل لمسة، في كل تمريرة، وفي كل دقيقة لعبها الفريق وكأنه يكتب التاريخ. بعد صافرة النهاية، وبين احتفالات سريعة وهروب جماعي من اجتياح جماهير إسبانيول، وُلد بطل… في صمت، لكن بكرامة.
اللحظة التي أعلن فيها الحكم نهاية المباراة كانت أكثر من مجرد صافرة. كانت لحظة ولادة جديدة، لحظة انتصار للوفاء، للصبر، ولمشروع لم يُبنى على وعود جوفاء، بل على العمل، على الإيمان، وعلى الوفاء لقميص يتنفس كرة قدم.
البلوغرانا لم يحتج للاحتفال على العشب، لأن فرحته أكبر من أن تُختزل في لحظة. هذه ليست بطولة فقط، بل إعلان عودة. الفريق الذي مرّ بأصعب المراحل عاد دون ضجيج، واستعاد مكانه بين الكبار بأسلوبه، بهدوئه، وبتاريخه .
وهكذا عاد برشلونة، لا كمن ينتظر الاعتراف، بل كمن يفرضه. كأن الريح تهب من جديد من كتالونيا، محمّلة بوعد لا يموت: هنا تُكتب أجمل الحكايات، وهنا تبدأ البطولات.















